في الوقت الذي كان فيه الشعب التونسي الشقيق يصنع ملحمة من أعظم ملاحم العصر الراهن ، وهو يتصدى للطغيان والاستئصال ، ويسقط الطاغية الذي حكم قرطاج بالقمع والتعذيب ، والسجون والمعتقلات ، والنفي والتشريد ، كان مثقفونا الأشاوس والنشامي ، مشغولين بإرضاء الكنيسة المتمردة في مصر المسلمة ، وكان مثقفو الحظيرة في مقدمتهم يتسابقون إلى الذهاب إلى الكاتدرائية لتقديم قرابين الولاء والطاعة والانبطاح الرخيص تنصّلا من الإسلام ومن الموالين له ، ولا يكتفون بذلك بل تركوا أمر الملحمة التونسية الخضراء التي ضحّي فيها الشعب التونسي البطل بدمائه وأرواحه ، وراحوا ينفخون في قصة مندوب الشرطة المختل الذي قتل شخصا غير مسلم في قطار المنيا عند سمالوط ويصنعون منها ملحمة مقابلة تأييدا للتمرد الطائفي وانحيازا له حتى وهو يعلن بكل بجاحة ووقاحة وصلافة عن دولة قبطية على أرض النيل السعيد !، بل إن بعضهم لم يجد غضاضة في الإصرار على إعادة إنتاج الكلام عن حادث القديسين ، وتحميل ما يسمى التطرف الإسلامي الجريمة ومضاعفاتها ؛ مستبقا التحقيقات وحكم القضاء .
مشكلة مثقفي السلطة أنهم يحاولون الظهور بمظهر المناضل الذي يدافع عن الوطن وعن الحرية وعن المستقبل ، وهم في الحقيقة يدافعون عن مصالحهم ومنافعهم وامتيازاتهم ، ولذا يقترفون من أنواع الموبقات الفكرية والخلقية ما لا يتوقعه أحد ، من أجل إرضاء سادتهم في النظام البوليسي الفاشي ، ويحرّضون على كل من يدعو إلى الحرية والكرامة والعدل وحكم الشورى والمشاركة ، فضلا عن إهانتهم المستمرة التي لا تتوقف للإسلام وقيمه وتشريعاته ، بل إنهم لا يخجلون أن يطلبوا من المسلمين التخلي عن الإسلام كي يرضى المتمردون في الكنيسة التي باعت وحدة الوطن بثمن بخس ، وانحازت للغر ب الاستعماري لأول مرة في تاريخها ، وقبلت بالعمل في ظل اتحاد الكنائس العالمي الذي لا يخفي أهدافه التنصيرية الاستعمارية ، وعداءه الصريح للإسلام والمسلمين !
ويبدو أن النظام البوليسي الفاشي في حمأة رعبه من أحداث تونس الخضراء ، وجد أن من الضروري تحريك هذه الدمي الثقافية الحظائرية لتلح على الموضوع الطائفي بالصورة التي يراها هو ، ليعزّز تحالفه مع التمرد الطائفي من أجل أهداف مشتركة تؤكد على ما يسمى الاستقرار والاستمرار ، وهو ما يعني أن كتّاب الحظيرة الثقافية وكتاب السلطة عموما ( ومعهم من يسمون بالإعلاميين ) ؛ مطلوب منهم هجاء الإسلام ، وتملق الكنيسة كي ترضى عن النظام ، وتكف عن التصعيد من خلال أذرعها في الداخل والخارج ، وهي أذرع تعمل بكفاءة عالية جدا ، واستطاعت أن تجذب حكومات غربية عديدة ؛فضلا عن الفاتيكان والكونجرس إلى إصدار بيانات وتصريحات تتحدث عن حماية النصارى في مصر ، والتلويح بالتدخل الغربي في الشئون المصرية ، وتدويل قضايا النصارى الموهومة أو المفتعلة !
هؤلاء القوم وكثير منهم شبه أمي ، لم يتقدم بموهبته إلا لرصد حفلات الحشيش والإباحية وازدراء الإسلام ونقل النميمة السياسية والصحفية ، ووصْف الإسلام بثقافة التخلف . لن تجد لديهم رؤية حقيقية تهتم بالوطن من حيث هو كيان إسلامي يحتضن المخالفين في المعتقد والمذهب والعرق واللون ، ويقوم بتمصير جميع سكانه في بوتقة الحضارة الإسلامية السمحاء ، ويمنح كل من يعيش على أرضه فرصة العمل والاعتقاد والنمو دون تمييز أو اضطهاد ، والشواهد على ذلك كثيرة ، واسأل عن الجاليات اليونانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية والأرمينية واللبنانية أو الشوام كما كانوا يسمون .. لقد عاشوا في الحضارة الإسلامية وانصهروا بقيمها الإنسانية العظيمة ، وصاروا من أهل البلاد ، بل إن مصرية بعضهم الإسلامية تبدو أحيانا أكثر من مصرية بعض المصريين أنفسهم ..ثم إن مصر المسلمة تمنح المخالفين فوق ما يستحقون بما يجعل بعضهم يحكم على الوطن المصري المسلم بالعبط أو السذاجة !
لماذا إذا يلجأ الحظائريون وأشباههم إلى الادعاء والكذب واتهام مصر المسلمة بالتمييز واضطهاد النصارى الأرثوذكس ؟
يتهم أحدهم مصر بأنها مصابة بلوثة دينية جعلت احتجاج المصريين من أجل أي قيمة عليا (الحرية. العدالة. مواجهة. البطالة. حد أدنى للأجور) غير وارد، ويرى أن تونس العقلانية المتعلمة (تبلغ نسبة الأمية فيها حوالي ١٠%) لا يوجد فيها تيارات سلفية مثل مصر، ولا دعاة جدد يفتخرون بأن على مواقعهم أو مستمعيهم مئات الآلاف من المغيبين، يساهمون في تكريس «بيزنس» ديني غير منتج خدّر كثيراً من الشباب وأضاع بوصلته، فالإخوان المسلمون - في زعمه - حرصوا على تجنيد عشرات الآلاف من الناس للدفاع عن أجندة الجماعة لا مصالح الوطن، والخطباء فوق المنابر يكرسون الجهل والطائفية!هكذا يفسر صاحبنا المستنير واقع الناس ويحمّل الإسلام عدم المقاومة أو عدم التصدي لمن يخدمهم في النظام البوليسي الفاشي الموالي للعلمانية والغرب الاستعماري وينسى أن ستة آلاف من الإسلاميين تم اعتقالهم في عام 2010وحده .
وحين يريد صاحبنا أن يظهر في صورة فيها شيء من الموضوعية يتهم هتاف المصريين بأنه يرتد إلى العصور الوسطى ويورد هتاف النصارى : بالروح بالدم نفديك يا صليب، وهتاف المسلمين :بالروح بالدم نفديك يا إسلام، ثم يدعي أن الإسلام والمسيحية غير مهددين، ويضيف - ونحن معه - أن الفقر والتخلف والأمية وغياب الديمقراطية والفساد ؛ تهدد كل مواطن في مصر، ويشرح : نحتاج لبعض الجهد وليس بالضرورة الدماء لمواجهتها.
ونسأله : ما هو بعض هذا الجهد وليس الدماء الذي يتحدث عنه صاحبنا لمواجهة ما يهدد كل مواطن في مصر؟ إنه لا يجيب ! هكذا يكتب أبواق السلطة الذين يدعون المعارضة والتحليل العلمي !
إنه يريد أن يقول في الزحام إن العلمانية هي التي جعلت شعب تونس ينتصر على الطاغية وزبانيته ، وليس تدين المصريين الذي يصفه باللوثة الدينية التي أصابت شعب مصر !
شخص آخر ينتمي إلى الهوى اليساري ويحمل صفة أستاذ جامعي ويدعي المعارضة من خلال صحف الطائفة ؛ يتهم المسلمين في الجامعة بالظلم والتحيز ضد النصارى فيتهم الجامعة بأنها تمارس أبشع صور التمييز الطائفي في بعض الامتحانات الشفهية والإكلينيكية في كليات الطب - ومن الجانبين (؟) ويتهم الطلاب المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين بأنهم يتمتعون بنفوذ قوى وحضور واضح في كليات الطب - كما يدعي - مما يثير حفيظة زملائهم المسيحيين الذين يحاولون بدورهم البحث عن صيغة تجمعهم في تنظيم ديني يواجه الإخوان المسلمين (لماذا يواجهونهم يا مولانا ؟ ) ، ثم ينتقد السلطة انتقادا خجولا بسبب التوجه المريب وغير المسئول بحظر النشاط السياسي - غير الديني - في الجامعات، إذ كيف بالله عليكم – كما يقول - نربى شبابنا ونعده لقيادة مصر في المرحلة المقبلة وقد حرمناه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية في المعرفة، والمناقشة، والحوار، وإبداء الرأي، والحق في الاختلاف؟!
ثم يطلق عقيرته بالنواح بسبب التوجه المريب وغير المسئول - كما يسميه - لأنه لا توجد قيادة جامعية غير إسلامية في الجامعة ، وأن رئاسة الأقسام في كليات الطب مغلقة على المسلمين ..
وهذا كلام فيه تخليط وتدليس،لأن السلطة تقوم بواجبها غير الطيب في تصفية طلاب الإخوان المسلمين أولا بأول وأبسط ما تفعله هو حرمانهم من الامتحانات ، وعلى فرض أن الطالب غير المسلم يأخذ أقل من حقه ، فإن الطالب المسلم يحرم لسنوات من دخول الامتحان وتضيع سنوات عمره لأنه يقول ربي الله . ثم إن الأمن لا يسمح كما يعلم الكاتب لأستاذ متدين أيا كان انتماؤه ولو كان انتماء تايوانيا بتقلد أي منصب جامعي فالمناصب قاصرة على القوم إياهم . فمن المضطهد يا مولانا الموالي للطائفة الظالمة المدللة ؟ ثم ألا تعلم أن كليات الطب والصيدلة والعلوم والهندسة والتجارة ومعهد الصيارفة ، كانت ذات يوم حكرا على النصارى أساتذة وطلابا يوم كان المسلمون لا يجدون مصاريف التعليم؟ إن والد الكاتب مثلا تعلم في الأزهر قديما لأنه كان فقيرا مثلنا ، وعندما صار واحدا من علماء الأزهر وله مرتب، علم الكاتب وإخوته في كلية الطب وغيرها .. ويوم كانت الأغلبية لأبناء غير المسلمين لم يغضب المسلمون ولم يثوروا ولم يزعموا أن هناك من يضطهدهم !
إن الولاء للطائفة من أجل المصالح الدنيوية عمل رخيص ، يجب أن يتنزه عنه الشرفاء من الكتاب أو من لديهم بقية إحساس بالجريمة الكبرى التي يرتكبها المتمردون الطائفيون في تمزيق الوطن وعزل أبناء الطائفة عن محيطها الإسلامي الطبيعي في ظل سلطة بوليسية فاشية لا تبالي إلا بكراسيها ومصالحها ومصالح أتباعها المنافقين الذين يعبدون من يظلم الوطن ويواليهم . بئس أولياء السلطة ، وبئس أولياء الكنيسة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق