الأربعاء، 3 مارس 2010

ساويرس وفضيحة التنصت على المحادثات وبثها فضائياً

ساويرس وفضيحة التنصت على المحادثات

وبثها فضائياً

يعد التنصت خطاً أحمر في أي مجتمع فمن يحاول الاقتراب منه يحترق مهما كانت مكانته ووضعه الاجتماعي، فهذه فضيحة "ووتر جيت" عصفت بـ"ريتشارد نيكسون" ولم يشفع له كونه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

"نجيب ساويرس" نجم لامع في عالم المال، اقتحم بماله المجال الإعلامي وافتتح لنفسه قناة خاصة هو نجمها اللامع ومحاورها الأول والمتحكم في كافة سياساتها، ولما لا فهي إحدى مؤسساته وممتلكاته.

بثت "مؤسسة ساويرس" في الأيام الماضية برنامج يعد أغرب من فضيحة "ووتر جيت" فإذا كانت "ووتر جيت" قد وقفت عند حدود التنصت فإن "مؤسسة ساويرس" أضافت للتنصت على المحادثات الخاصة البث الفضائي لتكون الفضيحة عالمية، هذا فضلاً عن تجاوز البرنامج لكافة الخطوط الحمراء: السياسية، الأمنية، الاجتماعية، الأخلاقية، والدينية.

البرنامج اسمه " تاكسي مصر" وتقوم فكرته على توافر عدد من تاكسيات القاهرة -الأبيض في الأسود- مجهزة تجهيزا فائق الدقة من حيث أجهزة التنصت والتجسس فهي مزودة بكاميرات من كافة الاتجاهات، وسماعات دقيقة تتجسس على زبائن التاكسي من الشعب المصري.

والذين يستقلون هذه التاكسيات بحسن نية وبدون أدنى علم بالمكيدة المدبرة لهم في تاكسي "مؤسسة ساويرس"، ليقوم من يقود التاكسي والتابع "لمؤسسة ساويرس" والمدرب تدريبا عاليا على المحاورة والاستدراج من أجل توريط الزبون بأكبر قدر ممكن، ليفتح السائق الحوارات مع زبائن التاكسي رجالاً ونساءً، في موضوعات عديدة: سياسية، اقتصادية، قضائية، دينية، فنية، رياضية، وجنسية أيضاً.

ويتحدث الزبون بتلقائية تامة فيسب ويطعن ويتهم ويسخط ويتهكم ويزايد و" يفشر" ويقول كل ما لا يجرؤ على قول واحد في المائة منه أمام عسكري أمن مركزي، لتعرض "فضائية ساويرس" المحادثة بالصوت والصورة وتاريخ ركوب الزبون للتاكسي، هذا الزبون الذي حدد المكان الذي يقصده وأحياناً أسمه ومكان عمله وطبيعته ومحل إقامته.

انتظرت لنهاية البرنامج عسى أن أجد موافقة من الزبائن على بث المكيدة مثلما يحدث في الكاميرا الخفية ولكنني لم أجد ذلك لأنه مستحيل أن يلقي أحد بيده إلى التهلكة فقد هاجم الضحايا الحكومة هجوماً لاذعاً ومباشراً، وانتقدوا السياسات العامة للدولة والشخصيات السياسية بطريقة غير لائقة، وشككوا في نزاهة القضاء المصري واتهموه بما لا يليق خاصة في قضية هشام طلعت مصطفي والتي ركز البرنامج عليها كثيراً، وهاجموا شخصيات اجتماعية بعينها.

وتم تناول القضية الجنسية بصورة مقززة وكأن فتيات مصر مسرحاً مفتوحاً، إضافة إلى الكم الهائل من الألفاظ النابية المستخدمة في الحديث والتي اكتفت "فضائية ساويرس" بوضع صوت صافرة للتشويش على الكلمة النابية المفهوم معناها والواضحة على شفاه المتحدث المصور من كافة الاتجاهات.

الملاحظ فضلاً عن الأعداد الكبيرة للضحايا الذين تم عرضهم في "فضائية ساويرس" أن التواريخ التي أوردتها الفضائية لتبيان ميعاد التجسس ممتدة من يناير الماضي إلى وقت قريب، ومعنى ذلك مهنياً أن هناك كم هائل من المصريين الذين استقلوا التاكسيات تم استدراجهم والتجسس عليهم، وأن هناك تاكسيات داخل العاصمة تسير بهذا الشكل التجسسي الذي لا يرد إلى خاطر أي مسالم.

فمن أعطى الحق للتاكسيات لأن تقوم بهذه المهمة التجسسية، ومن يوقف فضيحة التاكسيات هذه، ويحاسب المسئول عنها حساباً قاسياً رادعاً.

إن الضحايا الذين عرضت محادثاتهم فضائياً وعلى العالم أجمع بصورة استخفافية وعن طريق الاستدراج والتنصت وخداع المتحدثين، لو لم يقدموا موافقة مسجلة أو مكتوبة "لفضائية ساويرس" بعرض المحادثات، فأتصور أن التعويضات التي سيدفعها لهم ساويرس ستفوق الخيال.

كما أتصور أن التعويضات التي سيدفعها ساويرس للدولة لما أصابها من تشويه لصورتها عالمياً ستفوق أيضاً الخيال.

الأمر الأشد خطورة في هذه الفضيحة أن "فضائية ساويرس" هي أحدى مؤسسات "نجيب ساويرس"، وإذا كان منهجها في التعامل مع محادثات وآراء الشعب المصري أنه لا حرج في التنصت عليها، وبثها فضائياً فمن يضمن لنا ألا يكون ذات المنهج مطبق على مؤسسة الاتصالات التابعة أيضاً لـ"نجيب ساويرس" والمشترك بها 22 مليون مصري يتحدثون عبرها بمليارات المحادثات التلقائية والعفوية، لنفاجأ ذات يوم بـ "فضائية ساويرس" تبث أطرف أو أجرأ ما يقال في اتصالات الشعب المصري الخاصة؟.

إن الحكومة المصرية مطالبة بفتح تحقيق موسع في هذه الفضيحة التي تفوق فضيحة "ووتر جيت"، والتي انتهكت فيها خصوصيات الشعب المصري، وتم الاستخفاف به والتجسس عليه وبث سمر وترهات بعض أبنائه الخاصة فضائياً، مع تقديم مسوغات ضمان عدم التجسس على المشتركين في شركة اتصالات "نجيب ساويرس" الممولة لفضائيته التي عرضت تلك الفضيحة.

صحيفة المصريون

25/9/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق