الثلاثاء، 25 مايو 2010

الإسلام والمواطنة -بقلم الاستاذ حلمى القاعود


د . حلمي محمد القاعود | 25-05-2010 23:17

يقوم البناء الحضاري للإسلام على ترابط المجتمع ، وتماسكه وتكافله ، لدرجة أنه جعل المؤمنين أخوة " إنما المؤمنون إخوة " ( الحجرات :10 ) ، وهذه الأخوة تقتضي التسامح والتصالح والعدل والتفاهم والتراضي ، من أجل بناء المستقبل ، ومواجهة الشدائد ، ومدافعة الشرور والحروب وعوامل الدمار والخراب ، وكل هذا لعبادة الواحد الأحد وتحقيق الغاية من الخلق " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ( الذاريات : 56-58) .

وهذا الوضع الذي يرسخ مفاهيم الأخوة ، ويمزج بين وشائج الأسر والعائلات والقبائل بمزيج الإيمان الخالص ، وارتباطه بالله ، يهدف في نهاية المطاف إلى قيام أمة العزة والكرامة والإنسانية الراقية ، وبذا يحقق نظام المجتمع الإسلامي حالة من التناغم والتوافق تفوق ما يسميه بعض القوم بالمواطنة ، التي يصورونها للناس أنها تحقق العدل والمساواة بين المواطنين ، ويتجرأ بعضهم ليعلن أنه لا بديل عن المواطنة وما يسمى الدولة المدنية ، ويرتب على ذلك المطالبة بإلغاء الإسلام من خلال المطالبة بحذف المادة الثانية من الدستور ، وهي مادة صورية تتحدث عن إسلامية الدولة من حيث التشريع ، وقد وضع أهل القانون المصري بعض المواد في الدستور تتحدث عن المواطنة ، وكأنها إدانة ضمنية للإسلام الذي لا يحقق المواطنة ، ويميز بين المسلمين وغيرهم ، وينتقص من حقوقهم ويميز بين الرجل والمرأة ، ويمنع غير المسلمين من الوصول إلى كرسي الحكم .

وفي هذا السلوك أو التفكير افتئات عظيم على الإسلام ، وإهانة له ، وتعبير عن تجاهل متعمد لقيم الإسلام ومفاهيمه وتشريعاته التي جعلت غير المسلم في بلاد المسلمين ، له مالهم وعليه ما عليهم ، وسمّتهم أهل ذمة ، أي إن الوفاء بحقوقهم يصل إلى مرتبة العبادة والأمانة التي يحاسب الله عليها يوم القيامة ، ويجازى المقصر بسببها ، وهنا يكون غير المسلم في وضع سابق على المسلم في الضمير الإسلامي .

والمشكلة أن التمرد الطائفي المستقوي بالمؤسسة الاستعمارية الصليبية ، يضرب عرض الحائط بكل ما يقال وينشر عن قيم الإسلام ومفاهيمه وتشريعاته ، ويصر على التشهير بالإسلام والمسلمين ، والهدف القريب هو أن تستبد الأقلية غير الإسلامية بالأغلبية الإسلامية الساحقة ، وتفرض عليها قيمها ، وشروطها بصورة تعبر عن إذلال وامتهان لأدنى درجات المواطنة بالمفهوم الغربي الاستعماري ، والهدف البعيد هو تفتيت الوطن ، وقيام دولة غير إسلامية في مصر بعد تحريرها مما يسمّونه الاستعمار الإسلامي البدوي الصحراوي !

أن تتحكم أقلية طائفية متعصبة في أغلبية ساحقة ، وتفرض على هذه الأغلبية أن تفارق قرآنها ، وأن تحذف دينها من التعليم ، وأن تدعي علنا أن القرآن يدعو في المدارس إلى التمييز وازدراء النصرانية ، ومهاجمة المسيح ، فهذا من أبشع ألوان الإهانة التي يمارسها المتمردون الخونة في الداخل والخارج ضد الأغلبية الإسلامية ، ويعبر عن استهانة لا مثيل بأبسط قيم المشاركة الوطنية والتعايش الاجتماعي، فضلا عن اقتراف جريمة الكذب التي حذرت منها الوصايا العشر في الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى !

والمحزن أن التمرد الطائفي الخائن استطاع أن يستقطب بالإغراء والإرهاب نخبة ممن فقدوا الضمير في الثقافة والفكر والإعلام والتعليم ، رددوا مقولاته ، ومضوا وراءه أسري مكبلين بمصطلحاته ومفاهيمه ودعاواه الكاذبة ، لدرجة أن تقام ندوات ومؤتمرات لإلغاء الإسلام في التعليم العام ، وإلغاء المادة الثانية من الدستور ، بينما لا يسمح النظام البوليسي الفاشي والفاشل بعقد ندوة تتناول مفاهيم الإسلام أو تتحدث عن تشريعاته وقيمه ، بل يبادر باستمرار إلى ملاحقة الإسلاميين واعتقالهم بقانون الطوارئ اللعين ، وإدخالهم السجون المظلمة وحرمانهم من أبسط حقوق الحياة وتقديمهم لمحاكم عسكرية استثنائية ، لا تمثل القاضي الطبيعي للمعتقلين !

إن الخونة أعلنوا قبل فترة عن برلمان طائفي يسمونه " البرلمان القبطي " ليكون بداية لإقامة الدولة القبطية النصرانية المحررة ، التي يعملون من أجلها ، ولم تحرك السلطة البوليسية الفاشية ساكنا ، بل إن الخونة أتيح لهم أن يخاطبوا الجمهور العربي المسلم في مصر والبلاد العربية ليعلنوا عن أنفسهم وعن مخططهم الإجرامي ، ويحاولوا تجميل الوجه القبيح للخيانة ، من خلال ساعات ممتدة في إعلام النظام ، والإعلام الطائفي ، والإعلام الطفيلي الذي يملكه رجال القروض ونهب الدولة ،.

ترى ما ذا كانت السلطة البوليسية ستفعل لو أن بعض الإسلاميين أعلنوا - مجرد إعلان ولم ينفذوا - عن إقامة برلمان إسلامي في المهجر ؟

هل كانت ستتركهم ؟ أم تقودهم إلى غيابات الظلام والهوان ؟ إن مجرد ترديد شعار (الإسلام هو الحل) ، يقيم الدنيا ولا يقعدها في النظام البوليسي الفاشي الفاشل ، ويكفي أنت تري فرق الردح الصحفية والتلفزيونية وبرامج الرغي الليلية ، تردح وتسب وتلعن (الإسلام هو الحل ) على مدار الساعة ، ولا تتوقف إلا إذا شغلها أمر جديد !

إن الدعوة إلى برلمان طائفي ليس مزحة من جانب الخونة في الداخل والخارج ، ولكنه خطوة في تنفيذ الخطة الإجرامية لتمزيق الوطن وتفتيته ، ومع ذلك نسمع من يحدثنا عن المواطنة التي لا يحققها الإسلام للخونة ومن شابههم !

ثم يتجرأ الخونة على استعادة الخونة القدامى من قمامة التاريخ لينصبوهم أبطالا لما يسمونه استقلال مصر . ليس استقلالها عن الفرنسيين والانجليز والأميركان والروس مثلا ، ولكن عن الإسلام والمسلمين !

إنهم يبعثون الخائن يعقوب ، الذي تحالف مع الغزاة الفرنسيين على عهد نابليون بونابرت ، وكون فيلقا من العسكر النصارى ليقاتل شعبه المصري المسلم إلى جانب الغزاة الفرنسيين القتلة ، ثم يكذب هؤلاء الخونة الحقدة على الشيخ عبد الرحمن الجبرتي ، ومحمد شفيق غربال ، ويصورون يعقوب اللعين كما سماه الجبرتي ، برائد استقلال مصر ، وصاحب أول ( مشروع !) في التاريخ لتحريرها من العثمانيين ! آه يا خونة !

من يقاتل مع الفرنسيين الغزاة يسمى بطلا للاستقلال، ومن يقاتل ضد المستعمر الغازي يسمى إرهابيا ؟ الحكومة العثمانية الإسلامية التي فتحت أوربة ، وتصدت للصليبيين الذين طردوا المسلمين وذبحوهم في الأندلس يسمون غزاة ، والسفاح الصليبي يعدا محررا لمصر العربية المسلمة ؟ ما هذا التو قح الذي لم يسبق له مثيل يا خونة ؟

إن الخطأ ليس منكم ، والخطيئة ليست منكم ، ولكنها ممن ناموا عن بلادهم ، واسترخوا ، وسكتوا ، وصمتوا ، وانشغلوا بكراسيهم المكسورة ، والدنيا الزائلة ، والعرض الذي لا قيمة له ، وقبل ذلك وبعده نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وصدقت فيهم نبوءة البشير النذير عليه الصلاة والسلام ، فكانوا قصعة الأمم ، ولعبة الطوائف والمذاهب والأعراق !

يا حسرة على بلادي التي صارت معرة الأمم !!

هل من المواطنة أن يكتب خائن طائفي مثل " عزت أندراوس " تحت عنوان " إلى أين تتجه مصر " إن السادات خان مصر خارجياً كما خانها داخلياً حيث تعانى مصر من الانقسام الداخلي بسبب تقنين الشريعة الإسلامية ووضعها في المادة الثانية في دستور مصر على أساس أنها المصدر الرئيسي للتشريع ، وإذا كان عصر السادات تميز بتقنينها أي وضعها كقانون فتميز عصر مبارك بأنه عصر تنفيذ الشريعة الإسلامية العنصرية الإسلامية الجنس (؟) ، ونرى اليوم انقساما خطيراً في داخل مصر ولن يستمر هذا الوضع الذي يتفجر بين الحين والآخر تحت السيطرة في كل مرة ، ويتوقع المحللون السياسيون بأن الشريعة الإسلامية ستمحى من الوجود ولكن بعد مذابح دامية للأقباط ثم للمسلمين(؟) تنتهي باحتلال مصر ونهاية سريعة للإسلام ، هذا إذا لم ينتبه العقلاء ويرفعوا الشريعة سبب الفرقة من دستور مصر وترجع مصر دولة علمانية بدلاً من سيطرة الهلوسة الدينية الإسلامية وعصاباتها الإجرامية على أجهزة الحكم في مصر ، لأنه لا يتساوى المسلمين (كذا؟) مع الأقباط في حقوق المواطنة ويعتقد المسلمين (كذا؟) فيها أنهم الأعلون تماما كما تعامل النازي ذو الجنس الآري مع ما عداهم من الشعوب ".

هكذا يتحدث الخائن الطائفي دون خجل ، ويطالب بإلغاء الشريعة الإسلامية التي يراها سبب مصائب مصر ، وينادي بالعلمانية ،وينذر بانتهاء الإسلام وذبح المسلمين (؟) في الوقت الذي يرفع فيه زعيم التمرد الطائفي لافتة التعداد المبالغ فيه للطائفة ؛ ليرتب عليه كوتة انتخابية ، ومطالب ابتزازية ، ويقول بالعربي الفصيح – وليس الهيروغليفي – إنه لا يلزمه ، ولا يلزم طائفته غير الإنجيل ؟

لماذا يحرم علينا الطائفي الخائن شريعتنا بينما زعيمه يعلن تمسكه بالإنجيل ؟

هل هذه هي المواطنة ؟

أم إن المواطنة في عرف الخونة تعني إلغاء الإسلام ، ولا تكون مواطنة حقيقية إلا بموت المسلمين وذبحهم كما يتنبأ المجرم الآثم ؟

إن الإسلام حقق الأخوة الإسلامية التي تحتضن غير المسلمين الذين لا يتآمرون على الوطن أو المجتمع ، ويقدمهم على المسلمين عهدا وذمة وحماية ، لأن هذا تشريعه الإسلامي غير المسبوق ، الذي يختلف عن تشريعات أوربة العنصرية ودعايتها ؛ التي تطارد المسلمين حتى في أخص شئون العبادة بينهم وبين ربهم سبحانه!

مصر ستبقى دولة إسلامية تعبر عن الرقي الديني والخلقي والمدني والإنساني ، وفي يوم ما ستستعيد خضرتها ، ونضارتها ، وعافيتها ، دون أن تركع لأولياء الاستعمار والتعصب ، وعناصر الخيانة والإجرام .

هامش :

إعلام السلطة والاستبداد وإعلام رجال القروض والنهب ، خصصا اثني عشر يوما بلياليها ، من أجل مهرجان كان السينمائي ، ولم يخصصا 10% منها لمناقشة قضية نهر النيل التي تعد قضية حياة أو موت ، وتخرج الدمي الجميلة والقبيحة لتحدثنا عن عظمة المهرجان ورواده ، والغريب أن الفيلم الفائز بالسعفة كان من تايلاند ! أما نحن فقد خسرنا الدنيا والآخرة ، وأموال الشعب البائس ، الذي يفرضون على مسكنه ضريبة ليستمتع اللصوص الكبار الذين يسرقون بالقانون !

drhelmyalqaud@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق