فبرگة معجزات البابا شنودة
قبل شهور قليلة وعندما عاد البابا شنودة من رحلة علاجه الطويلة بين ألمانيا وأمريكا.. استقبله الشعب القبطي استقبال الفاتحين.. وفي القاعة الكبري بكاتدرائية العباسية وقف من يتحدث عن كراماته ومعجزاته وآيات قوته وتقواه.. كان الظرف العاطي جارفا.. فالأقباط يحولون الرجل إلي قديس تمده السماء بمعجزات عديدة.. ولم يكن الوقت مناسبا للنقد أو الاعتراض.. فقد اعتبرت أن الكلمات الحارة التي صيغت بحروف المبالغة ليست إلا مجاملة لرجل عائد لتوه من رحلة مرض.
لكن الآن يحدث ما يشبه التخريف عبر رسائل إلكترونية ومكتوبة تصل إلي الأقباط والمسلمين.. لا فرق بينهم في ذلك تتحدث بالنماذج والوقائع عن معجزات لقداسة البابا شنودة أطال الله حياته.. من حقكم بالطبع أن تقرأوا ما قيل.. وهذه ثلاث حكايات واضحة ومحددة.. اختار من وضعوها أن يصفوها بأنها معجزات.
< المعجزة الأولي: يحكي أن فتاة كانت ذاهبة لحضور اجتماع البابا شنودة الثالث يوم الأربعاء في الكاتدرائية، ولكنها لم تكن تعلم مكان الكاتدرائية، فسألت سيدة تسير في الطريق، فأخبرتها أنها هي الأخري ذاهبة لحضور اجتماع قداسة البابا شنودة الثالث، ولكنها أخذتها معها في شقة بحجة احضار شيء نسيته من الشقة، وذهبت الفتاة معها وكان بالشقة العديد من الرجال، وأرادت هذه السيدة بذلك أذيتها، فاستنجدت الفتاة قائلة: «بقي كده يا بابا شنودة.. بقي يبقي في نيتي احضر اجتماعك تقوم تسبني كده» وفجأة ظهر البابا شنودة الثالث أمامها وأخذها واختفيا من الشقة لتجد نفسها واقفة في الكاتدرائية بجوار قاعة اجتماعات البابا شنودة.
< المعجزة الثانية: يحكي أن فتاة كانت تقوم بخدمة تفقد أبناء التربية الكنسية في منازلهم، حين أخطأت أحد العناوين وطرقت باب شقة رجل مسلم سني من الإخوان بالخطأ، فما أن علم أنها خادمة مسيحية جذبها من يدها بعنف إلي الداخل، وفوجئت أن معه عددًا من أصدقائه السنيين أيضا، فجذبها إلي حجرة النوم بعنف، فأرادت أن تستنجد بأحد القديسين فأخطأت القول وقالت يا بابا شنودة الحقني، فإذا بجرس الباب يدق، فذهب الرجل ليفتح الباب ففوجئ بالبابا شنودة الثالث يقف أمامه وقال له: روح هات بنتي اللي عندك جوه واوعي تؤذيها، فخاف الرجل وأحضر له الفتاة وخرجا سويا وسط ذهول كل الحاضرين، وما أن نزلا بضع سلالم حتي اختفي قداسة البابا شنودة، ووجدت الفتاة نفسها في الكاتدرائية، وكان يوم الأربعاء، يوم اجتماع البابا شنودة التي اعتادت تلك الخادمة علي المواظبة علي حضوره، فبعد أن حضرت الاجتماع أرسلت للبابا ورقة وسط كل أوراق الأسئلة التي يرسلها بعض الحاضرين في اجتماعاته، قصت فيها ما حدث وتساءلت: هل أنت الذي أتيت وانقذتني؟ وعندما جاء دور تلك الورقة.. قرأ البابا شنودة أول جزئية التي قصت فيها الخادمة ما حدث.. وعندما وصل إلي الجزئية التي تحوي تساؤلها صمت تماما.. ونظر إلي تلك الخادمة وسط جموع الحاضرين وابتسم لها.
< المعجزة الثالثة: يحكي أن فتاة خادمة ضلت وكذبت علي أهلها وأخبرتهم أنها ذاهبة إلي خدمة، في حين أنها كانت ذاهبة لتقابل شابا في منزله، فما أن طرقت الباب حتي فوجئت بأن من يفتح لها هو قداسة البابا شنودة الثالث بنفسه، فقال لها: روحي خدمتك يا بنتي.. ومتعمليش كده تاني.. فانصرفت الفتاة ذاهبة إلي خدمتها خجلانة وتائبة ومرعوبة مما كانت مقدمة علي فعله.
>>>
يمكن ببساطة أن تقول لي إن هذه الحكايات الثلاث غارقة في الفبركة ولا داعي لأن نلتفت إليها من الأساس.. فالذين صاغوها ويقومون الآن بأمر توزيعها لم يهتموا بتوثيق هذه الحكايات فلم يذكروا الأماكن ولا التواريخ التي حدثت فيها.. كلام مرسل لا يوجد عليه ولا دليل واحد.. بل إن بعض العقلاء يمكن أن يقولوا إن البابا شنودة نفسه لو أطلع علي مثل هذه الحكايات فإنه سوف ينكر ويطالب من يقومون علي أمرها بالتوقف.. لأن في نشر هذه الخزعبلات ما يضره ولا ينفعه، لكن حقيقة الأمر وما يجعلنا نلتفت إليه أن الكنيسة لم تنكر شيئا من ذلك بل إن بعض الحكايات التي قيلت أمام البابا شنودة قبل ذلك قابلت عنده الرضا ـ فقد صمت عندما سمعها ـ والسكوت كما يقولون علامة الرضا.
ثم إن خطورة هذه الحكايات التي خرجت من مصادر مجهولة تحاول أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. فهي تثبت القداسة والعظمة والاعجاز للبابا شنودة فلا يستطيع أحد أن يطاوله في روحانياته.. وفي نفس الوقت تضرب في المسلمين وتحديدا من نطلق عليهم السنيين والإخوان.. فهؤلاء لا هم لهم إلا التربص بالبنات المسيحيات واغتصابهن.. وهو سعي لتأكيد القهر والاضطهاد الذي يتعرض له الأقباط.. لكن في الوقت المناسب يظهر البابا شنودة وكأنه فارس يركب الحصان الأبيض لينقذ الفتاة المسيحية قبل أن تسقط.
إن المصريين جميعا مسلمين وأقباطا يعانون من هشاشة دينية تجعلهم مستعدين لتصديق أي وكل شيء يتعلق برجال الدين، وفي التراث الإسلامي حكايات عديدة عن معجزات وكرامات لمشايخ نطلق عليهم تجاوزا أولياء الله الصالحين، فالسيد أحمد البدوي كان يشاهده الناس في أكثر من مكان في وقت واحد.. كما أنه كان يحرر الأسري من أيدي الصليبيين ويعود بهم سالمين إلي أراضي المسلمين.. والشيخ الشعراوي بعد موته قيل إن هناك شعرة بيضاء من ذقنه كانت توجد في كل المصاحف في صفحة معينة وعند آية بعينها.. ومثل هذه الحكايات يرددها الناس ويتحمسون لها دون أن يروها رأي العين.. لكن كل من يحكيها لك يشعرك بأنه رأها وكان شاهدا عليها.
فن صناعة أولياء الله الصالحين مسلمين أو أقباط فن يجيده المصريون جيدا.. وهي صناعة تظهر أوقات العجز الشديد وأغلب الظن أن الأقباط يعيشون الآن فترة من الضيق الشديد رغم كل ما يقال ويتردد علي ألسنة المسئولين منهم.. وقد دفعتهم حالة الضيق هذه إلي تخيل البابا شنودة في صورة السوبرمان القادر علي أن يخلص فتاة مجهولة من أيدي رجال مجهولين في شقة مجهولة قبل أن تتعرض للأذي.. قد لا يستفيد البابا شنودة من الصاق هذه المعجزات به.. صحيح أنها سترفعه إلي مقام القديسين.. لكن سيستفيد منها الذين يروجون لها، فالبابا سيتحول علي أيديهم إلي تجارة رائجة شعارها هو ادفع لتحصل علي البركة.. والبركة جاهزة حتي لو كانت متخيلة وأسطورية.
لقد قابلت أقباطا كثيرين يعيشون بيقين شبه كامل أن البابا شنودة قادر علي شفاء المرضي.. لكنهم يقولون ذلك وهم مدركون أن البابا يفعله من خلال الصلاة والدعاء.. فهو يصلي من أجل المريض ويدعو له فيمن الله عليه بالشفاء. وهذه مقبولة في سياق الحالة الإيمانية التي يعيشها المصريون.. لكن أن يظهر البابا في أماكن لا علاقة له بها.. وبمجرد أن ينقذ من يقعون في ورطة يختفي.. فهذا تخريف ناتج عن جرعات زيادة من البانجو الذي أصبح عملة يومية في الشارع المصري، إن من يروجون لمثل هذه المعجزات التي تصل إلي درجة النكت في الغالب جهلاء.. لكنهم يريدون أن يستثمروا وضعية البابا في تحقيق أعلي درجات الربح.. يمكن أن يصمت البابا ويعتبر صمته رضا عما يحدث.. ويمكن أن يتكلم ويطلب من شعبه الذي من المفروض أن يطيعه أن يتوقف عن هذا العبث.. أي من الموقفين سيأخذه البابا شنودة.. هذا ما ننتظره ونرجو ألا يطول الانتظار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق