الجمعة، 26 فبراير 2010

إنقاذ الأقباط من طائفية البابا شنودة

إنقاذ الأقباط من طائفية البابا شنودة
محمد الباز
يعرف المقربون من البابا شنودة.. والذين عاشوا معه وجلسوا إليه واستمعوا منه إلي أنه ومنذ البداية يمتلك مشروعا طائفيا.. يعمل فيه ضد الجميع دون استثناء، فهو ضد الطوائف المسيحية كلها وضد أصحاب الأديان المختلفة لا يقبل في ذلك شفاعة ولا وساطة.. هذه العقلية الطائفية تجعله طوال الوقت يتعامل مع الآخرين علي أنه الصواب المطلق.. أما الآخرون فهم خطأ مطلق.. وهي عقلية تعود إلي العصور الوسطي التي لم يعد لها بيننا مكان الآن.
منذ خمسين عاما والبابا شنودة يبني مشروعه الطائفي.. وكان من أهم أهدافه أن يبني هذا التجمع الرهباني الهائل.. فتح الباب علي مصراعيه أمام من يريد أن يدخل الرهبنة.. كسر كثيرا من القواعد واللوائح ليرسم أكبر عدد من الاساقفة.. والآن عندما يعقد البابا اجتماعا للمجمع المقدس تشعر وكأنه ذاهب إلي حرب وهو واقف بين اساقفته الذين رعاهم ومنحهم من دعمه وحمايته الكثير.. ولذلك فهو يستعين بهم في صراعه مع النظام الذي قرر ومبكرا جدا أن يجعل رأسه برأس من يجلس علي قمة النظام.. ولم يفرق في ذلك بين السادات أو مبارك.
إنجاز البابا شنودة الوحيد -الذي يمكن أن يحسبه لنفسه- هو تحويل ولاء الأقباط له شخصياً وليس للدولة.. بعث إليهم برسالة أنه يمكن أن يحل لهم جميع مشاكلهم.. بل انه كان ينفق وبسخاء علي قضايا المواطنين الاقباط في المحاكم.. كان يوكل لهم محامين ويتابع تفاصيل القضايا بنفسه خاصة إذا كان الطرف الثاني في القضية مؤسسة من مؤسسات الدولة، كان طبيعيا بعد ذلك أن يلجأ الأقباط إلي باب الكنيسة.. يدقون عليه وينتظرون يد البابا أن تفتح لهم.. كان يفتح الباب وكل ذلك ليجعل من نفسه زعيما.. مع الأيام والسنين الطويلة استبدل الاقباط كمواطنين مصريين رئيسهم السياسي واكتفوا بأن يسيروا خلف رئيسهم الديني الذي أصبح بالنسبة لهم كل شيء.
ظل البابا شنودة يسلك هذا المسلك طوال حياته.. لكنه في الأيام الأخيرة بدأ تصعيد رغباته بشكل جديد، كان يوحي للأقباط أنه يحصل لهم علي حقوقهم.. الآن يؤكد لهم أنه يحميهم.. وممن.. من ضباط الداخلية ومن رجال أمن الدولة.. وها هو يقف في وجه جحافل الظلام هؤلاء.. يبعث ببيان إلي الرئيس ويكتب المقالات في الصحف ويعقد اللقاءات مع المسئولين.. كل ذلك من أجل أمن الأقباط.. ولانهم مواطنون بسطاء فانهم يجتهدون في زيادة انتفاخ البالون.. وكل صباح يأتي تزداد فيه صورة البابا البطل اتساعا.. ان ما يحدث بين المسلمين والأقباط في كل مرة لا يخرج عن كونه خناقة بين جهلة.. يحركهم فقي أو قسيس جاهل.. لكن البابا يطل من وراء الصورة ليحصد كل ذلك في النهاية لمصلحته الخاصة ولاتساع امبراطوريته وزيادة رقعة دولته الطائفية.
لا يقول البابا شنودة الصدق عندما يتحدث عن المواطنة أو عن حقوق الأقباط.. فهو لا يريد المساواة.. لكنه يريد أن يصبح السيد الكبير الذي لا ترد له كلمة.. يأمر فيطاع.. وللأسف الشديد فإن النظام السياسي الحالي منحه الفرصة كي يتعاظم. كي يكبر ويتضخم ويتسع سلطانه في نظر الأقباط.. وقد وصل به الأمر إلي دفع بعض رجاله لأن يهددوا ويتوعدوا ويلوحوا باستخدام ورقة أصوات الأقباط في أي انتخابات قادمة.. وهو ما يعني أن الأقباط بدأوا يشعرون بضعف النظام وتراخيه.. فأظهروا له عينهم الحمرا.
الآن لابد من حل.. ليس من أجل المشاكل الكائنة ولكن من أجل التصدي للمشاكل التي يمكن أن تكون، لقد أغرق البابا شنودة الكنيسة ومن ورائها الأقباط في مستنقع السياسة رغم أنه دينياً ليس من حقه أن يعمل بالسياسة وإذا أراد أن يبحث له عن قدوة في هذا الأمر فأما الأنبا كيرلس.. بابا الأقباط السابق.. الذي لم يجعل من نفسه منافسا للرئيس بل عمل كأب ومرشد روحي للأقباط يربيهم ويكمل دينهم.. أخلص لله فأجري علي يديه المعجزات والكرامات.. أما البابا شنودة فقد قرر احتراف السياسة التي أعطته هو شخصياً كل شيء.. لكنها نزعت من الأقباط الكثير.. وضعوا كل رحالهم علي كتفيه لكنه لم يستطع أن ينهض بها فأضاع حقوقهم جميعا.. ثم جلس يشكو أن الداخلية تعانده وتقف أمام تحقيقه لما يريد من أجل الأقباط.
تذكير البابا شنودة بمسلك البابا كيرلس لا يجدي ولن يفيد الآن.. فالبابا شنودة يعيش أيامه الأخيرة -وهذا علي الأقل بحكم الاقدار -كما ان الذين يعملون معه ومن حولهم.. هؤلاء الذين استفادوا منه وتعاظمت قوتهم برعايته وإيوائه لهم سيسيرون علي نفس طريقه دون أن يحيدوا عنه قيد أنلمة- سيفكرون مثله.. ويأخذون القرارات مثله.. سيتعاملون مع المسلمين والطوائف المسيحية الأخري بنفس الطريقة.. لأنهم لا يجيدون غيرها. .ولذلك فإن مستقبل الكنيسة ومستقبل علاقة المسلمين بالأقباط في مصر سيظل شائكاً ومؤرقا.. لكن شنودة إذا قضي نحبه الان.. فإنه سيظل يحكم الكنيسة طويلاً برجاله الذين سيخلفونه وأفكاره التي لن تتوقف عن التمدد والانتشار.
ما الحل إذن.. هو ليس حلا.. بل فكرة طرحها عبر اتصال هاتفي معه الانبا مكسيموس اسقف كنيسة المقطم، اعرف ان كلامه لايروق لكثيرين بسبب حملة التشويه التي تعرض لها من رجال البابا شنودة.. لكنني رأيت أن وجهة نظره جديرة بالتأمل والتفكير.. قال لي تعليقا علي حالة الصخب التي يعيشها الاقباط الآن.. انه لابد من تحويل ولاء الأقباط من الكنيسة والبابا شنودة إلي الدولة.. إلي الحكومة والنظام السياسي.. إن الرئيس في النهاية مسئول عن كل المواطنين الذين يعيشون في مصر.. والأقباط في النهاية مواطنون وهو مسئول عنهم وعندما تخلي النظام عن هذه المسئولية سطا عليها آخرون.. الآن لابد أن تعود الكنيسة لدورها الديني كما كانت أيام الانبا كيرلس وتبدأ الدولة في استرداد دورها.
استرداد دور الدولة بالنسبة للأقباط لن يكون بالشعارات والكلام الإنشائي.. لكن كما يري مكسيموس ان تحل الدولة مشاكل الأقباط الفعلية.. أن تمنحه الفرصة لبناء الكنائس التي يريدون بدون خط همايوني.. والا تتعسف مع الذين يدخلون الإسلام ثم يخرجون منه.. فحرية العقيدة شيء مقدس.. وألا تحول دون من يستحقون المناصب من الاقباط وبينها.. تعاملهم كأنهم مواطنون.. اذا حلت هذه المشاكل ستجد الدولة أن الاقباط جميعا ذهبوا إليها وتعاملوا مع البابا علي أنه قيادة دينية وروحية فقط.
الفكرة جديرة بالتأمل.. لأن التعامل الهادئ مع البابا شنودة لن يجدي، إن الأب متي المسكين قال قبل أن يموت لابنائه إن البابا شنودة لا يأتي إلا بلي الذراع نحن لا نريد أن نلوي ذراعه.. نريده ولمن يأتي بعده أن يلعب دوره فقط ولا يتجاوز إلي أدوار الآخرين.. إننا نريد أن نعيش في دولة مدنية وليست دولة طائفية.. وباب النقاش مفتوح بيننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق