الجمعة، 26 فبراير 2010

انهيار سلطة البابا شنودة


انهيار سلطة البابا شنودة
عاما قضاها البابا شنودة علي كرسي ماري مرقص، دون أن يتعرض عرشه لأية هزات من جانب شعبه.. كانوا يلتفون دائما حول قراراته، ينفذونها دون مناقشة وهم في غاية الرضا لكن ما حدث الأربعاء قبل الماضي يغير من هدوء هذه الصورة ودرجة نقائها.. فلأول مرة يتظاهر الأقباط بسبب أمر ظل دائما شأناً للكنيسة وحدها.. فقد تجمع المئات من أقباط المحلة أمام المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية لمقابلة البابا حتي يعيد الأنبا متياس إلي كرسيه.. ظنوا أنه قد تم عزله بسبب الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ وتوابعها وأنه جمع توقيعات من كهنة المحلة لعزله.. المظاهرة تعد أول صرخة اعتراض من الشعب القبطي ضد البطريرك.. وهو ما لم يحدث في تاريخ البابا شنودة بما يعني أن هناك الكثير من القيادات تجري أسفل صفحة الماء التي تبدو ساكنة.. الاحتجاج يأتي في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن البابا القادم في ظل الظروف الصحية للبابا شنودة.. وعلي الرغم من أن الأنبا موسي اسقف الشباب الذي تولي الأزمة مع الأنبا يؤانس، قد أكد لنا أن الأنبا متياس، أسقف المحلة قد استقال، إلا أن المتظاهرين لم يقتنعوا بهذا القول، فمعروف أن الأساقفة لا يستقيلون، ولم يحدث مثل هذا الأمر الا في حالات نادرة جدا ولأسباب تتعلق بالخروج عن التعاليم والتقاليد الكنسية، وهو ما لم يتحقق مع الأنبا متياس، لكن الأنبا موسي يؤكد أن اسقف المحلة رجل مريض، ويعيش بكلية واحدة وأن حالته الصحية تتطلب السفر الدائم إلي أمريكا ما يجعله غير قادر علي إدارة الأسقفية ولهذا تقدم للبابا في أبريل الماضي باستقالته المسببة وهي الاستقالة التي لم يبت فيها ولا تزال للآن محل دراسة المجمع المقدس. لكن ما يثير الحيرة ما قاله الأنبا موسي من أنه تحدث تجاوزات نظرا لعدم قدرة الانبا متياس علي امتلاك زمام الأمور، هو لم يحدد بالضبط نوعية هذه التجاوزات لكنه قال إنها تحدث بسبب ظروفه المرضية، ونفي أيضا أن يكون الأنبا بيشوي له دخل في هذه الاستقالة مؤكداً أنه بحكم موقعه كسكرتير للمجمع المقدس يحق له، بتفويض من البابا والمجمع، أن يتابع ملفات الأساقفة والكهنة المستقيلين أو المشلوحين وأضاف أنه مثلما يوجد المئات من ابناء المحلة يطلبون عودة اسقفهم إلي كرسيه يوجد أيضا المئات الذين يرون أن الانبا متياس لم يعد قادرا علي تحمل عبء الخدمة.. ولهذا لم يقابل البابا شنودة المتظاهرين لأن الاستقالة جاءت اختيارية من دون أن يجبره أحد عليها.
استقالة الاسقف إذن تعد أمرا عادياً والمظاهرات تأتي في وقت مليء بالهزات فقبلها قام المدعو «ماكس ميشيل» الخادم الموقوف منذ الثمانينيات عن الكنيسة القبطية نظرا لانحرافه عن الإيمان الارثوذكسي قام بتأسيس كنيسة ارثوذكسية غير تابعة للبابا شنودة، ولكي يؤكد أرثوذكسية كنيسته اطلق عليها اسم القديس اثناسيوس الرسولي أحد أبطال الإيمان.. كل هذا يدور في الوقت التي انطلقت الشائعات حول صحة قداسة البابا شنودة الذي سافر أمريكا للعلاج، فالشائعات تقول أنه أصيب بمرض خطير لم يعد قادرا معه علي أداء مهام رعويته، وأنه لهذا السبب لم يستطع مقابلة المتظاهرين وعلي الرغم من تأكيد الكنيسة الرسمي بأن مرض البابا ليس أكثر من مياه بيضاء في العين وأنه يتمتع بصحة جيدة، إلا أن الأوساط القبطية لا حديث لها هذه الأيام سوي عن البابا القادم وتتجه أنظار الأقباط إلي اثنين من الأساقفة هما الأنبا موسي اسقف الشباب، والأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة، ويتمتع الأنبا موسي بشعبية واسعة خاصة بين الشباب لما يقدمه لهم من خدمات ومساعدتهم علي إقامة المشروعات المختلفة، لكن هناك عائقين يقللان من إمكانية ترشيحه للكرسي البابوي الأول يتعلق بالسن إذ تجاوز السبعين بقليل والثاني عدم رغبته في منصب البابوية وتعلقه بالشباب الذين يتمني أن يظل إلي جوارهم طوال مدة خدمته.. أما الأنبا يؤانس فيتمتع بقبول شديد من الأكليروس ـ الاساقفة والكهنة والشماسة ـ كما أنه يتمتع بشعبية كبيرة داخل الكاتدرائية بالعباسية وهو لم يتجاوز بعد سن الخمسين.. وهناك اسم آخر يعود للظهور من جديد في هذه الأيام هو الأب مقار أحد الرهبان الشيوخ في دير مارمينا، الذي جاءته رؤية سماوية تخبره أن البابا القادم سيكون من دير مار مينا وأنه لن يكون اسقفا بل قسا راهبا لذلك يري رهبان هذا الدير والمترددون إليه أن النبوءة التي ظهرت في التسعينيات تستهدف الاب مقار نفسه.. أيضا يتردد أن الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ وسكرتير المجمع المقدس هو أقوي المرشحين للبابوية، بسبب نفوذه الطاغي داخل المجمع وتوليه لأحد أهم ملفات الأقباط في العصر الحديث وهو الطلاق الكنسي.. لكن وفقا للائحة انتخاب البابا لا يجوز ترشيح مطران لمنصب البابوية، لأن المطران في القانون الكنسي يعتبر متزوجا الإبرشية أو الاسقفية، وإذا أصبح بطريركا فذلك يعني أنه تزوج من «البابوية»، ويعني ضمنا الطلاق من الإبراشية الأولي وهو ما تحرمه المسيحية، وطبقا لقرار المجمع المقدس لكنيسة الإسكندرية القبطية المنعقد في عام «339م» فإن: «انتقال اسقف إلي إبراشية أخري بمثابة خطيئة زنا» لهذا فإن الأنبا بيشوي وفق القانون الكنسي خارج دائرة الترشيح للبابوية.
أما طريقة انتخاب بابا الإسكندرية فلها تقاليد قديمة جدا وشروط محددة منها ما ذكره القانون رقم 48 من أنه لا يجوز أن يقسم الرجل دفعتين أي لا يجوز أن يضع الاساقفة أيديهم علي اسقف أو قسيس أو شماس مرتين وإلا حرموا أو قطعوا من الكنيسة، لكن هذا القانون تم كسره لأول مرة في التاريخ الكنسي عام 1928 بعد صدور أول لائحة انتخاب البابا البطريرك فقد جلس علي كرسي مار مرقص الأنبا يؤانس مطران البحيرة وقد تم بذلك «تقسيمه» مرتين، وقد أكد المؤرخون أن هذا الكسر جاء بعد رغبة الملك فؤاد الأول في ترشيح الأنبا يؤانس، وبعد تعديل اللائحة تم انتخاب البابا كيرلس البابا السابق، وقرر المجمع المقدس عدم ترشيح المطارنة والأساقفة لأنفسهم، وظل القانون ساريا إلي أن جاء البابا شنودة الذي كان قبل توليه الكرسي المرقسي اسقفا للتعليم وهو المنصب الذي لم يذكر ضمن قرار المجمع المقدس الصادر في 1959 لأنه تم استحداثه فيما بعد في عهد البابا كيرلس السادس، لهذا لا يعتبر الاسقف العام الذي بلا ابرشية متزوجا وعلي هذا يسقط من عليه شرط عدم الزني الروحي كما أنه لم تضع عليه اليد مرة أخري أثناء مراسم تنصيبه لها ومن بين الشروط في القانون الرسولي لترشيح البابا إلا يكون تجاوز سن الخمسين ولا يشترط أن يكون من الرهبان وبعيدا عن هذه الشروط فإن أصواتا منذ أيام البابا كيرلس السادس تطالب بوضع لائحة جديدة للبطريرك تسمح للشعب باختيار راعيه بصورة أكثر حرية، وهناك تيار يطالب بإلغاء القرعة الهيكلية التي يراها غير قانونية، وأن تتم الترشيحات بواسطة أعضاء المجمع المقدس والمجلس المحلي وأن تحدث الانتخابات بواسطة ممثلين عن الشعب من النخبة ويؤكد هذا التيار أن يكون اختيار أعضاء اللجنة المشرفين علي الانتخابات ليس مرتكزا علي نصاب مالي، أو مؤهل مادي مثلما هو في اللائحة الحالية، والبابا شنودة كان من المناصرين لوضع لائحة جديدة فهو صاحب مقولة من حق الشعب أن يختار راعيه حين كان اسقفا للتعليم، والمستجدات والظروف الحالية تستلزم وفق كثير من الآراء وضع اللائحة الجديدة التي تمكن من اختيار البابا الجديد وفق مطالب الجماعة ليكون معبرا عنها. وإذا ما تمت هذه المطالب فإنها تعني انهيار السلطة المطلقة للبابا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق